الذكرى المفقودة.

إن المتتبع لاحتفالات الدول عبر ربوع المعمور بشهدائها وبكل شهداء الواجب الوطني،دون الخوض في تصنيفها سواء تعلق الأمر بغناها أو تاريخها أو انجازاتها،وما تقوم به لصالح هذه الفئة من شعبها التي اختارت أن تكون في الواجهة، وأن يكون الخطر هو صديقها إن لم نقل مصيرها. من احتفالات وتكريمات وتدشينات لها علاقة بالشهداء تدوم أيام وحتى أسابيع وباعتراف الجميع. دون الحاجة لاحتجاجات أو مراسلات أو استعطافات لأن هذه الدول تقوم فعلا بواجبها الدستوري،اتجاه هذه الأسر التي فقدت ذويها دفاعا عن أوطانها. إذن هذه الدول تقوم برد جزء بسيط مما قدمه هؤلاء الأبطال لأوطانهم،لأن الحق في الحياة هو أسمى و أعظم حق في الكون، رغم ذلك ضحوا به،لينعم الآخرون بالأمن والأمان والاستقرار .
 المعادلة هنا صعبة جدا ولا يمكن حلها أو تغييرها، ولا يمكن تعويض حياة الآخرين الذين وهبوها في سبيل أوطانهم بما هو مادي أو معنوي مهما كانت القيمة أو الرمزية، فالحق في الحياة يبقى خط أحمر ويعني الحياة و الاستمرارية . المعادلة صعبة جدا ولا مجال  للتحليل أو التنظير، بقدر ما الاعتراف والتكريم يكون الحل الأوحد والوحيد في هذا الجانب.ومن المعلوم أن كل الدول وباختلاف قوتها وتقدمها تعطي أولوية كبيرة للجانب المعنوي لجنودها، ودون إغفال الجانب المادي طبعا، لما له من أهمية قصوى تتمثل في رفع  معنويات الجنود ومدى استعداداتهم للتضحية في سبيل أوطانهم.طبعا هذا الأمر يسري على القوات المسلحة الملكية المغربية، وأنا لست بخبير في المجال العسكري وبما أنني وجدت نفسي مجبرا على الاهتمام بهذا الملف دون اختيار، سأكون موضوعيا في هذا التحليل المتعلق بمعنويات الجندي المغربي، وكما يعلم الجميع على أن المملكة المغربية وبعد الاستقلال عكفت على بناء اللبنات الأولى للقوات المسلحة الملكية، منذ ذلك الحين وقطعت أشواطا مهمة في البناء سواء تعلق الأمر بالمستوى البشري أو اللوجستيكي أو على مستوى الآليات المتوفرة لدى القوات المسلحة الملكية، تبعا لتقارير المراكز الدولية المعنية بالتسلح،وكذا الخبرة التي اكتسبتها إبان حرب الرمال، وحرب الصحراء، والمشاركة  في مهمة حفظ السلام بمجموعة من بؤر التوتر عبر العالم، وكذلك التداريب المشتركة التي تقوم بها مع الحلفاء. فلا يمكن لجيش بهذا الحجم وهذا التراكم الايجابي أن يستثني الجانب المعنوي منه، فالقوات المسلحة الملكية لها من الكفاءات و الخبراء ما يكفي لتتبع هذا الجانب ولهم القدرة على ذلك وتصحيح أي خلل إن اقتضى الحال،لكن تبقى نقطة سوداء في هذا الشريط الطويل الحافل بالانجازات والانتصارات لم تمح بعد،ويتعلق الأمر  بتغييب هذه الذكرى الغالية التي لها علاقة وطيدة بالمواطنة والوطنية والتضحية وحب الوطن، ألا وهي ذكرى الاحتفال الرسمي بشهداء الوحدة الترابية ووضع حد لهذا الخلل الذي يجب تصحيحه لما له من ايجابيات معنوية كبيرة ودلالات رمزية عميقة، ستكون حافزا مهما في حب الوطن والتضحية لأجله.أظن أنه حان الوقت لكي تتحمل الجهات المسؤولة والحكومة والأحزاب الوطنية والهيأة المدنية مسؤولياتها التاريخية، والخروج من صمتها اتجاه هذا الموضوع الحساس والمهم. وإعطائه الأولوية لإخراجه لأرض الواقع .فما الجدوى من تسليم اسر الشهداء شهادة الوفاة مؤرخة وممركزة بباشوية تواركة بالرباط وتهم جميع شهداء الوحدة الترابية للمملكة، وتسليم الأسر بطاقة من مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين وقدماء المحاربين، مدون عليها الشهيد فلان دون الاحتفاء بهم بشكل رسمي؟ فإلى متى ستظل الجمعية الوطنية لأسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء المغربية، تحتفي لوحدها بهذه الذكرى؟ أي ذكرى اليوم الوطني للشهيد والمفقود،فلا تخجلوا وتترددوا في الاحتفال بمعية الجمعية وأن تحذوا حذو دول عديدة، بل منها من يتسلم المساعدات والهبات من الدولة المغربية،ذكرى لها علاقة بالقضية الأولى وطنيا، بقضية عليها إجماع وطني أي ملف الصحراء المغربية، الذي خلف اثر هذه الحرب على مدى 16 سنة،حوالي 30000 ألف شهيد إضافة لعدد مهم من المفقودين، دون الحديث عن التكلفة الاقتصادية. فلا يمكن أن يكون إجماعا على هذه القضية دون إجماع على الاحتفال بأبطالهم وأسرهم، والفصل بين هذين المكونين.
فلتكن السنة المقبلة سنة الحسم وسنة الاعتراف والتقدير والتكريم، بهؤلاء الأبطال المنسيين، وأن لا تبقى  هذه الحقبة التاريخية ، ذكرى مفقودة ونقطة سوداء تلطخ جبين  المملكة .

الحجام ابراهيم
عضو المكتب الوطني
للجميعية الوطنية لأسر
شهداء ومفقودي واسرى
الصحراء المغربية