حالات صادمة لأبناء أسر شهداء ومفقودي وأسرى حرب الصحراء المغربية


حالات صادمة لأبناء أسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء


نشر بوساطة  في  


أمراض نفسية... حالات انتحار... ورواتب هزيلة
لم يكتب للعديد من أبناء شهداء ومفقودي الصحراء رؤية آبائهم أو أن يحضوا بالحنان والرعاية بين أحضانهم، منهم من بلغ سن الثلاثين ولم يحض أغلبهم ببعض الحقوق والحماية الواجبة لمثل حالاتهم. معاناة نفسية لأبناء الشهداء والأسرى والمفقودين،
لم تكن الزوجات والأرامل بمنآى عنها لتعاني معظمهن من المرض وقلة الحيلة وقصر ذات اليد، في ظل راتب لا يكاد يكفي مصاريف علاجهن من أمراض وعلل تختلف من حالة إلى أخرى، وفي وقت لم تحل بعض مشاكل هذه الفئة سواء منها المادية أو الاجتماعية والنفسية.
وضعية اجتماعية أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مزرية. بهذا التعبير .سرد معاذ الكاتب العام للجمعية الوطنية لأسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء معاناة فئة خاصة، 100 في المائة من الأرامل يعانين من أمراض مختلفة وشديدة الحدة. أمراض تفاقمت مع ارتفاع تكلفة العلاج والدواء: فالعديد من الأبناء يعيشون مشاكل نفسية أدت ببعضهم إلى حد الانتحار، نتيجة الإحساس بالتهميش والإقصاء والحرمان الاجتماعي بالإضافة إلى أمراض عضوية وعاهات، و80 في المائة منهم يصارعون البطالة في غياب أدنى شروط العيش، نسبة من بنات الشهداء يعملن كخادمات في البيوت من أجل ضمان قوت يومهن، وفئة أخرى منهن غالبيتهن مهددات بالتشرد والخروج للشارع لأن الاستفادة من صفة مكفولي الأمة حدد في سن ما دون الثلاثين، علما أن أغلبية أبناء الشهداء قد تجاوزوا هذا السن.
أزمات نفسية
لم تعتقد فاطمة في يوم من الأيام أن أزمة ابنها الأصغر النفسية قد تصل حد الانتحار. فاطمة استشهد زوجها في السبعينيات مخلفا وراءه ستة أبناء، وزوجة تعاني مرضا نفسيا، بعد علمها باستشهاد زوجها، ما أثر سلبا على الأبناء. فاطمة تبلغ حوالي العقد السابع، تقطن بسيدي سليمان داخل الثكنة العسكرية. عانت الأم من المرض لكن الأبناء تأثروا بحالتها، ليصاب الابن الأكبر بالحالة ذاتها ويعتكف بالمنزل لا يخرج منه إلا لشراء السجائر، يجبر على أخذ الأدوية بعد خلطها بدانون، فيما تعاني بناتها الثلاث بدورهن من المرض النفسي. عمق المعاناة لم تكن نتائجها بالنسبة للابن الأصغر تخطر على بال والدته أو أسرته وجيرانه، فقد وجد منتحرا في التسعينيات وهو معلق بحبل بشجرة داخل الثكنة، بعد أن عانى من الاكتئاب وهو البالغ عقده الثاني. انطفأت شمعته وهو في أوج شبابه، لأسباب نفسية مرتبطة بالحالة الاجتماعية والاقتصادية. في الوقت الذي لم يتم البحث في أسباب الانتحار حتى لا يتكرر الحادث في أوساط الأسر الأخرى.
الملاحظ من خلال الحالات التي عاينها أعضاء الجمعية الوطنية لأسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء المغربية، أن أعدادا كبيرة من أبناء هذه الفئات الثلاثة مازالوا عزابا، بسبب الحالة الاقتصادية لأسرهم وارتفاع نسبة البطالة في أوساطهم. فمحمد ابن شهيد وهو في عقده الرابع، يعاني من اكتئاب يجعله لا يقرب عتبة البيت إلا عند حلول الليل، ليخرج للبحث عن عمل ليلي هامشي بأحد المقاهي يستطيع بواسطته توفير دراهم لشراء السجائر والعودة «كخفاش» إلى منزله للاختباء...
يعيش الذكور حالة من البطالة القاتلة، ويعاني جلهم من العقد النفسية، والإحساس بالغبن والحكرة ، كلها سمات يشترك فيها الأبناء سواء كانوا أبناء شهداء، مفقودين، أو أسرى.
 خلاصة توصل إليها المسح الاجتماعي والاقتصادي الذي أنجزه لضبط أوضاع الشريحة بالمنطقة على معطيات صادمة عن الحالة المأساوية التي تعيشها هذه الأسر. ولا تقتصر المعاناة على الأبناء دون البنات، فمعاناة الفتيات لها شكل آخر. بعد وفاة الأم تضطر البنات إما الخروج إلى الشارع كما هي بعض الحالات بمكناس، أو العمل كخادمات في البيوت أو في بعض الإدارات بسبب حرمان الأسرة بعد وفاة الأم من المعاش حيث ترتفع الظاهرة بآيت ملول وأكادير...، ما يجعلهن أمام هذين الإختيارين. وضعية مهينة تعيشها البنات، لخصها فرع الجمعية بآيت ملول في إحصائيات أجراها من خلال المسح الاجتماعي والاقتصادي، هي مثال بسيط عن معاناة أسر الشهداء والمفقودين والأسرى.
تشتغل بنات هذه الأسر في مهن مهينة تحط من قيمة التضحيات التي أسداها آباؤهن في خدمة الوطن، سبع منهن يشتغلن في ظروف لاإنسانية بمعامل الحي الصناعي بأيت ملول في أعمال غير قارة، فيما تعمل سبع فتيات في قطاع الخدمات البسيطة كمساعدة في دكان، مخدع هاتفي، روض، ساعات الدعم، مكتبة... أما أربع فتيات فهن يعملن في قطاع النظافة. في حين لا يتجاوز عدد بنات هذه الأسر العاملات في القطاع العام أي الموظفات 5 فتيات لا يكاد الرابت يتجاوز 2500 درهم. إحصائيات الفرع بأولاد تايمة خلص إلى أن 224 من بنات الأسرى والشهداء والمفقودين يعشن تحت رحمة اليتم والبطالة، ووصلت نسبة المعطلات 89.6 في المائة. أحوال الإناث تبعث على الشفقة، لا يجدن حلا لوضعيتهن وتهميشهن سوى طرق بابين: إما العمل في النظافة «الميناج»، أو الارتماء في أحضان الفساد مكرهات كما هو الشأن بالنسبة لبعض المدن التي تعرف حالات كمكناس، لاسيما أنه عند وفاة الأم فإن معاشها يتوقف، ويحرم من الاستفادة منه الأبناء ليتركوا أمام المجهول. أبناء نسبة منهم لم تمكنهم شواهدهم الجامعية ودبلوماتهم في مجالات مختلفة (إعلاميات، كهرباء، تبريد، ....) لم تمكن الأبناء من الاستفادة من نسبة 25 ٪، لتبقى نسبة صورية على الورق فقط.
أرامل وزوجات عليلات «الجيب» والصحة
رغم أن غالبية الأمهات يختلفن في وصف حالتهن من أرملة أو زوجة أسير أو مفقود، لكنهن يتوحدن في إصابتهن بأمراض عضوية تكاد تجتمع لدى كل منهن: ارتفاع الضغط، القلب، أمراض المفاصل...أزمة مادية تفاقمت مع إصابة جلهن بأمراض مزمنة من قبيل أمراض هشاشة العظام، داء السكري، الأرق، التوتر العصبي، ارتفاع الضغط... أمراض مزمنة تأكل أجساد الزوجات بعدما أفنين زهرات أعمارهن في توفير لقمة العيش والتربية والتعليم... رغم هزالة رواتبهن.
ميلودة، أرملة في عقدها السابع من سيدي سليمان، تعاني مرضا على مستوى الركبة، تعيش بمفردها بعد زواج أبنائها وبناتها وتركوها وحيدة، يلزمها شهريا حوالي 1500 درهم مصاريف العلاج والأدوية، لا يكفيها معاشها فتضطر إلى طلب المساعدات من بناتها وأزواجهن.
أما والدة سمير، أرملة تعاني من مرض في الجهاز البولي، رغم أن مؤسسة الحسن الثاني تتدخل في بعض الملفات التي تتطلب فيها الأدوية قيمة باهظة، سبق لها أن قدمت ملفا بقيمة 5000 درهم منذ شهر أكتوبر من السنة الماضية، لكن الملف لا يعرف مصيره إلى غاية الآن، في ظل تفاقم المرض، وهزالة الرواتب التي لا تكاد تكفي لإعالة الأبناء، لاسيما أن السمة الغالبة بالنسبة للعديد من الحالات أن الأبناء الذكور بصفة خاصة ممن تجاوز عمرهم العقد الرابع مازالوا عزابا ويعيشون مع أسرهم في ظل العطالة والأمراض النفسية التي يعانون منها نتيجة غياب أب أو فقدانه.
رواتب أرامل الشهداء تضل هزيلة لا تكفي لمتطلبات الحياة  . وعلى هزالتها ينتظرن حلول نهاية الشهر على أحر من الجمر، فيتسلمن راتبهن وفواتير عديدة في انتظارهن، ومتطلبات أبنائهن المتزايدة مع الارتفاع الصاروخي للأسعار على جميع المستويات. نساء لم يلقين سوى التهميش والحسرة تعتمر قلوبهن، على سنوات قضاها أزواجهن في الجبهات القتالية واستشهدوا، ليجدن أنفسهن بين عشية وضحاها يحملن «لقب أرملة»، غير قادرات على كفاية حاجيات أسرهن.
«المِؤسسة صحي الضمير، نصفي الشهيد والأسير». صرخة أطلقها العشرات من أهالي الشهداء والمفقودين والأسرى ما من مرة، في وقفات احتجاجية ومن خلال شكايات والتماسات لجهات عديدة لم تلق التفاتة سوى من طرف الملك محمد السادس، بعد أن طالب بالتعجيل بإيجاد حل لمشكل أبناء الشهداء والأسرى. يسرد معاذ، ابن شهيد أن الالتفاتة الملكية قضت بالزيادة في معاشات أرامل الشهداء ومعاشات الأسرى المفرج عنهم، وعملت على تنفيذها مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء المحاربين وقدماء العسكريين، لكنها لم تكن كافية مقارنة مع متطلبات الحياة بالنسبة لأسر يعاني بعض أفرادها من أمراض وعاهات.
لا تقف معاناة رحمة، ذات السبعين عاما، زوجة مفقود عند إصابتها بالمرض، بل تتجاوزها إلى حضانتها لابنين معاقين، فقدت أصغرهما وهو في 32 من عمره، بعد أن توفي منذ سنة دون أن تثير وفاته أي انتباه من الجهات المعنية، لتحضن ابنها الثاني بكل ما أوتيت من صبر وتفان في رعايته. يعاني الابن من عجز كلي يتطلب رعاية خاصة ومصاريف باهظة، فهو لا يقوى على القيام بأقل حركة دون مساعدة والدته، بل أنها تضطر إلى تكبد مشاق حمله ونقله معها عند انتقالها من مدينة إلى أخرى أو عند اضطرارها لإطعامه... إلا أن هم الأم لا يقف عند التفكير في كيفية اكتفاء مصاريفها ومصاريف ابنها، بل التفكير في مصيره بعد وفاتها!! حالات سردها بعض رؤساء فروع الجمعية بفضل إلمامهم بمجمل الحالات التابعة للفروع على الصعيد الوطني، بالإضافة إلى حالات أخرى تختلف باختلاف الجهات.
شعاع أمل يخبو مع آخر زيادة
شعاع من الأمل عم صفوف أسر الشهداء والمفقودين والأسرى، لم يلبث أن خبا نوره بعض الزيادة المحتشمة في معاشات الأرامل، زيادات خيبت آمال الأسر، بعد سنوات من المعاناة نتيجة إصابة العديدين بعاهات واستشهاد الآلاف وفقدان آخرين، لتتناسل المعاناة النفسية والاجتماعية وتمس أرامل وأبناء الأسرى والشهداء والمفقودين.
الزيادة الأخيرة في رواتب معاش أرامل الشهداء لا تغطي نسبة قليلة من المصاريف ومتطلبات هذه الأسر بالموازاة مع ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.
أزمة تمتد لتضفي بظلالها على الأبناء الذين يعاني عدد كبير منهم من مشاكل التهميش والبطالة ولااستقرار، وقد تؤدي حالات وفاة الأم إلى خروج الفتاة إلى الشارع للبحث عن مدخول عجز راتب والدها سواء كان أسيرا أو مفقودا أو شهيدا عن تجنيبها الضياع، في غياب تغطية صحية.
مشاكل تشكل نقطة في بحر، تكاد تغرق موجاته أسر العسكريين الأسرى والشهداء والمفقودين، ما دفع بأبنائهم وبعض من الأسرى إلى تكوين جمعية للمطالبة بإيجاد «طوق نجاة» يساعدهن على الخروج من عنق الزجاجة، بتحسين مستوى عيشهم.
أمل آخر كان معلقا على تطبيق قانون مكفولي الأمة تكسر على صخرة الواقع وبنود هذا القانون الذي لم يعتمد من طرف مؤسسة الحسن الثاني إلا بعد تجاوز غالبية الأبناء للسن الذي حددته هذه المؤسسة في 30 سنة، مما يعني عدم استفادة أكثر من 99 في المائة من أبناء الشهداء والمفقودين والأسرى من صفة «مكفولي الأمة».
لم تستسغ الجمعية الوطنية لأسر شهداء ومفقودي وأسرى الصحراء حرمان مجموعة من أسر المفقودين من تعويضات التأمين بعد إخبارهم باستشهاد ذويهم وذلك بعد إعلان فقدانهم لأزيد من 20سنة، وعدم تعويض الأسرى المفرج عنهم عن سنوات الأسر وتجميد رتبهم العسكرية طيلة فترة الأسر، عدم اعتماد مبدأ التأمين على الحياة بالنسبة للجنود الشهداء والمفقودين والأسرى خلال حرب الصحراء كما هو معتمد الآن بالنسبة لأفراد الجيش، خاصة وأنه وحسب ملفات ثلاثة تشغل بال الجمعية، في وقت تسجل الإحصائيات وجود أسر الشهداء 30 ألف أسرة، فيما يصل عدد أسر الأسرى 2400، ويتراوح عدد المفقودين ما بين 300 مفقود بتصريح الجهات الرسمية و700 حسب الصليب الأحمر.
معاناة حقيقية لأسر الأسرى الذين قتلوا جراء التعذيب داخل سجون الجزائر والبوليساريو، ومصير المفقودين يزيد من سوداوية الرؤيا لدى أبناء المفقودين والأسرى، ومعاشات هزيلة تنتظر معها هذه الفئة مع إشراقة كل فجر، انبثاق شعاع من الأمل في عودة مفقود أو أسير، أو قرار بتحسين وضع معيشي يقي ضد متاهات الحياة المظلمة .