معاناة أبناء شهداء الجيش المغربي /البطالة/

(تتمة)...
بعد حصولي على الإجازة دخلت، في دوامة البطالة  عانيت من ويلاتها في ظل انتشار المحسوبية و الزبونية وباك صاحبي وفي غياب تام لدور المؤسسة الوصية وبعدم تفعيل نسبة %25 المخصصة لأبناء قدماء العسكريين و المحاربين و مكفولي الامة .
كنت أعاني لأبقى على قيد الحياة،المعاناة التي أقصدها هنا ليست  معاناة مادية فحسب،بل  معاناة جسدية و نفسية بالأساس حيث ان البطالة و للأسف الشديد تؤدي للموت البطيء و الانتحار ،لأننا لم نسمع عن أشخاص ماتوا من الجوع بسبب البطالة، ولكن بسبب الصدمة النفسية القاتلة ولنا حالات انتحار لأبناء شهداء حرب الصحراء المغربية بسبب تخلي المسؤولين عنهم ، ترى بأي وجه ستقابلون الشهداء  الذين تركوا أبناءهم أمانة في ذمتكم  غدا أمام العدالة الإلهية.
أن تكوني خريجة جامعة و ابنة شهيد ( من مكفولي الأمة) و تضطرين للعمل كمساعدة بائع في متجر ، في معمل خياطة ،شركات الكابلاج…. فهذا يعتبر وصمة عار على جبين دولة تخلت عنا ، هذا الوضع لم يرض طموحي ولم يوفر لي الحياة الكريمة التي كنت أتمناها والتي استشهد من أجلها أبي... قال لي أحد الأقارب وهو يحكي لي عن بسالة و شجاعة والدي انه رحمه الله كان مستعدا للاستشهاد وفتح صدره أمام رصاص العدو لتعيش بناته عيشا كريما . والله لو اطلعت  رحمك الله على معاناة بناتك ومصيرهن  المجهول أمام  تخاذل المسؤولين و تغليب مصلحتهم الشخصية عن الواجب الوطني و إهمالهم لحقوق أسر الشهداء لما اظنك ستضحي بحياتك وهي أسمى شيء يمتلكه الانسان  . كنت أرى دموع الحسرة و الانكسار في عيون أمي وهي تحاول التخفيف من معاناتي وكانت أحيانا تقصد مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين و قدماء المحاربين لوضع طلب الحصول على وظيفة والذي يقابل في أقصى الحدود باستدعائي لأخد المعلومات و فقط .
مع مرور الوقت سئمت من وضعيتي خصوصا عندما أرى والدتي تذبل أمامي وهي التي ضحت وكافحت من أجل ان تراني في أحسن الظروف. قررت تحديث الدبلوم بإتمام الدراسات العليا التي كانت حلمي و أمنيتي لكن الجانب المادي كان عائقا أمامي... تسجلت بماستر بكلية العلوم بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة وبعد ذلك بسلك الدكتوراه بنفس الجامعة ... ومن سوء حظي لم اكن من بين المستفيدين من المنحة بحجة الانقطاع عن الدراسة الذي فرض علي بسبب الفقر و الحاجة لأن معاش الوالدة كان هزيلا لا يكفي حتى لسد رمقنا نحن الاربعة(الام وثلاث بنات)، فما بالك بمصاريف التعليم العالي . 
توجهت الى مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء العسكريين و قدماء المحاربين بالقنيطرة وهذه المرة لإحراجهم فقط . وبالفعل كما توقعت لم تستطع التدخل لأنال حقا بسيطا بصفتي طالبة باحثة و ابنة شهيد لبى نداء الواجب الوطني وسالت دماؤه من أجل العيش الكريم لأسرته التي تخلت عنها الدولة…..لولا نضالي تارة بالاعتصامات واخرى بالاضراب عن الطعام  و كوني المتفوقة على دفعة الماستر ما حصلت على المنحة و ما استطعت نيل شهادة الدكتوراه في علوم الحياة و البيئة بميزة مشرف جدا،لأدخل من جديد في دوامة البطالة بأعلى شهادة ، ودائما في سبات ولا مبالاة لمؤسسة أنشئت من اجل خدمة أبناء شهداء الصحراء المغربية…. لكن للاسف المعاناة لازالت مستمرة الى حدود كتابة هذه السطور


الدكتورة حشي مريمة 
عضوة المكتب الوطني للجمعية
الوطنية لأسر شهداء ومفقودي
واسرى الصحراء المغربية