http://www.almoharib.com/2014/12/blog-post_36.html
القيصر يغير معادلات الحرب الباردة
فادى عيد*
لا شك أن العلاقة كل يوم تزداد توترا بين الغرب و روسيا الاتحادية خاصة بعد تزايد عقوبات الغرب على موسكو و التى أختتمت بالعقوبات التى فرضتها كندا، و هى العلاقة التى تنعكس مباشرة على حلفاء روسيا بالمنطقة و بين وكلاء مشاريع البيت الابيض بالاقليم، و فى نفس الوقت روسيا تمسك بأغلب ملفات منطقة الشرق الاوسط و على رأسهم أعقد الملفات الا و هو الملف السوري، و عاد الغرب من جديد يفكر فى التحاور مع روسيا بعد مرور ثلاث أشهر على حرب بلا أى فائدة ضد تنظيم داعش، و بعد تقدم الجيش السورى على أرض المعارك بريف ادلب، و بعد حالة من الصحوة للجيش العراقى و التى أتضح حقيقة عنوانها بعد تصريح رئيس وزراء العراق حيدر العبادى و أشادته بدور مصر فى تقديم السلاح و العتاد للجيش العراقى لمحاربة داعش، بجانب ثبات و تقدم الجيش الليبي فى دحر المتطرفون، ففى تلك المرة لم يعد للغرب التحاور بشكل مباشر مع روسيا أمراً‏ متاح، و لذلك جاء الحوار عبر البوابات الخلفية، و هنا جاء النظر الى تركيا بحكم دورها كوكيل معتمد لدى البيت الابيض بالمنطقة، و بحكم العلاقة الاقتصادية المتينة بين تركيا و روسيا .

فالغرب فى تلك المرة يدخل المفاوضات مع روسيا عبر بوابة تركيا التى تربطها علاقات أقتصادية قوية مع روسيا و يتضح ذلك من خلال شركات البناء و التعمير التركية المتواجدة بروسيا منذ عقدين، أو التعاون الوثيق فى مجال صناعة السيارات و المنتجات الغذائية، ثم أستغلال تركيا مؤخرا فرصة مقاطعة روسيا للعديد من المنتجات الغربية و فرض عقوبات غربية على روسيا لتحل هى كبديل، و لذلك كان فلاديمير بوتين حريصا فى بداية رحلته الى تركيا أن يؤكد على تنفيذ بناء محطة أوكويو النووية فى موعدها .
و بعد أن بات واضحا أن موسكو لا تستطيع الاستمرار فى تنفيذ مشروع التيار الجنوبى دون موافقة بلغاريا ( أحد حضانات واشنطن بأوربا ) جائت صفعة القيصر سريعة على وجه الاوربيين بعد أن أعلن تعليق العمل بالمشروع الروسي الايطالي ساوث ستريم المتعلق ببناء خط الغاز الذى تنفذه شركة غازبروم وتبلغ تكلفته 40 مليار دولار و بطاقة 63 مليار متر مكعب من الغاز سنويا . و هو خط الغاز الذى كان سيربط روسيا ببلغاريا ومنها إلى أوروبا الغربية عبر صربيا والمجر وسلوفينيا و الذى أعلن عنه فى 23 يونيو 2007م .

ثم جاء في ختام اجتماع طويل لمجلس التعاون الروسي التركي في أنقرة التوقيع على سلسلة من الاتفاقات خصوصا في المجال الاقتصادي، وأعلن الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم الروسية أليكسي ميلر أن الشركة وقعت مذكرة تفاهم مع شركة بوتاش التركية لبناء خط أنابيب بحري يربط بين البلدين عبر البحر الأسود بطاقة سنوية 63 مليار متر مكعب، بينها 14 مليار متر مكعب ستذهب إلى تركيا وهو ما يعادل تقريبا ما تشتريه حاليا، لكى تخرج أسطنبول رابحة أقتصاديا مع روسيا خاسرة سياسيا جميع ملفات الغرب التى تفاوضت بأسمهم .

و تأمل واشنطن أن يكون أردوغان مفاوض جيد مع نظيره بوتين على ملفات سوريا و العراق و باقى دول المنطقة الملتهبة، و بخصوص باقى دول المنطقة الملتهبة و ما لا يعرفه الكثيريين فموسكو كانت أول من فتح خطوط أتصال مباشر مع الحوثيين بعد توليهم زمام الامور باليمن بعد أن وصل وفد عسكرى و أستخباراتى رفيع المستوى الى صنعاء دون علم الحكومة اليمنية نفسها .

و السؤال الذى يطرح نفسه هل سينجح أردوغان فى تنفيذ مهام هذا الدور أم لا .
حقيقة الامر ما يحدث على الارض يؤكد بأن من الصعب جدا أن يقدم أو يتقدم أردوغان الى أى جديد بالملفات السياسية المتفجرة بالاقليم حاليا، و ستكون نتيجة المهمة الجديدة التى أسندت اليه نفس نتيجة المهمة التى كلف بها وزراء خارجية تركيا السابقين على بابا جان و أحمد داوود أوغلو بعد غزو الولايات المتحدة للعراق بأقناع بشار الاسد بالتوقيع على مذكرة شروط الابقاء، و هى المهمة التى باءت بالفشل بعد رفض الرئيس السورى التوقيع على كافة بنود المذكرة، و هو الامر الذى كتب نهاية تعيسة لكولن باول و هى القصة التى تكررت مع تشاك هيجل بعد أن قدم أستقالته على أثر خلاف شديد بالبيت الابيض تجاه الحرب السورية .

فبنفس توقيت فتح الملف السورى بين بوتين و نظيره التركى كانت الفرقاطة فيتسي أدميرال كولاكوف الروسية تصل الى ميناء طرطوس، و بعدها جاء أعلان أليكسي كريفوروتشكو المدير العام لشركة كلاشنيكوف بتعليق الصفقات التى وقعتها الشركة مع الولايات المتحدة و كندا كردا على عقوباتهم ضد موسكو .

و كما تأتى تركيا كحلقة أتصال بين الغرب و روسيا كذلك تأتى الاستخبارات الاسبانية بين دمشق و واشنطن، ففى خلال الايام الماضية قدمت دمشق لواشنطن أكثر من 600 إحداثية عبر المخابرات الاسبانية سمحت بشن غارات جديدة على مواقع داعش في الشرق السوري و حول حلب .

و بعيدا عن الحرب السياسية و الاقتصادية و بتحديد على الصعيد العسكرى تستعد موسكو و بقوة لتأمين كافة مداخلها البرية و الجوية فى غرب و شرق البلاد بعد موافقة قائد قوات الدفاع الجوى الفضائى الروسية الكسندر غولوفكو على أدخال رادارين جديدين الى الخدمة بنهاية عامنا الحالى فى مقاطعتى كالينينغراد و إيركوتسك، و يمتلك ذلك الرادارين القدرة على أكتشاف الصواريخ المهاجمة من طراز فورونيج، هذا بجانب بدأ العمل لإنشاء رادارين جديدين في مقاطعة أورينبورغ و إقليم جمهورية كومي، بعد دخول أربعة رادارات من الطراز الأحدث للخدمة في بلدة بيونيرسكي بمقاطعة كالينينغراد، وبلدة أوسوليه سيبيرسكي في مقاطعة إيركوتسك، وفي مقاطعة لينينغراد بريف مدينة سان بطرسبورغ، وفي مدينة أرمافير بإقليم كراسنودار .
وأعلن الجنرال غولوفكو أن قوات الدفاع الجوي الفضائي الروسية أطلقت سبعة و عشرون قمرا صناعيا خلال عامنا الجاري، ورصدت انطلاق أكثر من أربعون صاروخا فضائيا وباليستياً، وأنقذت المحطة الفضائية الدولية من القمامة الفضائية ما يقرب من ستة مرات، وأصدرت خمسة و عشرون تحذيرا تنبه إلى اقتراب الأجرام السماوية من الأقمار الصناعية الروسية . وأشير في وقت سابق إلى أن الجنرال غولوفكو يخطط لإنشاء شبكة رادارية متواصلة لاكتشاف الصواريخ المهاجمة تغطي كل الأراضي الروسية بحلول عام 2018، فذلك التطور العسكرى التكنولوجى لروسيا كلف الولايات المتحدة فضائح متعددة سواء فى شرق أوكرانيا، أو عن حقيقة حادثة سقوط الطائرة الماليزية، و ربما غدا يكلفها ما هو أكثر من ذلك .
حقيقة الامر لم يتخيل للحظة من فى البيت الابيض وقت أن كتبو معادلات الحرب الباردة الجديدة أن تتغير تلك المعادلات جيمعها سواء كانت أقتصادية أو عسكرية أو سياسية و تنقلب عليهم من كل الاتجاهات، سواء بأوكرانيا أو مصر أو ليبيا أو تونس أو سوريا أو الملف النووى الايرانى، أو فى شكل العلاقات الروسية الخليجية التى تزداد تقاربا كل يوم، و أن تأتى عليهم لحظة و يكونو هم فى موقف رد الفعل .
 
فادى عيد