http://www.almoharib.com/2012/11/blog-post_8733.html

الجيش المغربي بين الماضي والحاضر

      كان الذين كتبوا عن المغرب محللين مظاهر عظمته ، ومميزاته و عبقريته بل و صموده و اتزانه ، دائما يرتكزون على ان الجيش المغربي ظل في مقدمة  العوامل المؤثرة بل هو ايضا اساس المؤثرات السياسية التي لعبت الدور البارز في تطور الوجود المغربي و نمو عبقريته التي كانت مراة صادقة لكل الحركات و التطور التي عاشها عبر تاريخه السحيق في القدم ، و قد استخلص مؤرخ كتاب(الحضارة المغربية ) ان الجيش الوطني مظهر للحضارة  وقوام السيادة مما بجعل المغرب بفخر على كثير من الدول بانه من الامم التي ادركت قيمة هذا المظهر و قوامه ، ثم اختار باصالة و اقتناع ان ينصب رئيس دولته منذ قيام الدولة المغربية المسلمة قائدا اعلى للجيش  يوجه في الحرب ، و يشرف على التدريب و الاستعراض في السلم، و تلك نتيجة احتاجت كثير من الامم و الدول لقرون عدة يعدنا للتوصل الى نتائجها ، و هي نظرية لها اصالتها و اعتباراتها في مدرسة العلوم العسكرية و لا اقول بانها مغربية و لاكنها تستمد اصولها  وعمقها من الفكر العسكري المغربي كنظرية ( الخطة الهلالية ) و ( خطة التراجع الرادعة ) و( خطة الكشف الصامتة ) و ( خطة اختفاء توزيع الخطة ) وهي من النظريات العسكرية الجديدة التي انبثقت في الفكر العسكري المغربي و استعملت في المعركة الكبرى بعد سنة 1953 في وحدات جيش التحرير و المقاومة .

        و اذا كنت في هذه الدراسة المقتضبة التي اقدمها بهذه المناسبة و ذلك للحديث في هذا الموضوع ـ كما اقترح علي  ـ فانني قد وجدت نفسي بعد تقليب بعض المراجع امام موضوع متنوع الجوانب ، وجميل ، و شائك في نفس الوقت لقيمته الفنية من جهة ، ثم لتوفر العناصر الرائعة التي تحدثنا عن امجاد الجيش المغربي من جهة ثانية و التطور الذي واكب تغيير الدول التي تعاقبي على العرش المغربي خصوصا عصور الدولة العلوية التي وزعت الى مناطق عسكرية و بلغت قلعها المنتشرة على العهد الاسماعيلي ستة و سبعون قلعة موزعة بمختلف نواحيه ، في حين جهزت و حدات مدفعية ( الطبجية ) بالبطاريات العصرية ، و اصبح المشاة يستخدمون الاسلحة المصنوعة بفاس بينما تذكر الوثائق الرسمية  ان الاسطول البحري في عهد سيدي محمد بن عبد الله تجاوزت مراكبه الخمسين قطعة من بينها ثلاثون ( فركاطة ) تضم ستين قائدا و سبعة الاف من البحارة و الرماة مما بجعل الوحدة العسكرية كاملة لتجهيز ذات اعتبار بالنسبة للتخطيط العسكري العام في عدد من الدول المتوسطة .
         و ساحاول هنا ان اعرض صورا احاول بعض الشيء ان تقرب للقارئ اليوم ما وصلت اليه قواتنا العسكرية من عظمة و قدرة و تفوق ليس من  حيث العدد مما يشير ان الخطوات كانت موفقة في كل ابعادها...
      و الصور التي اخترت في هذه الدراسة :
1) تتحدث اثنين منها عن السمعة الخارجية للجيش .
2)بينما الصورة الثالثة تشير الى قيمة الصناعة الحربية بالمغرب و اهميتها حتى في بداية القرن الحالي.
3) اما الصورة الرابعة للشكل و الاهمية التي  كان يمثلها في اطار الدولة وهذه الصور هي كما يلي :
           اولا ـ ذكر العلامة ابن خلدون في تاريخه ان المنصور الموحدي ( 595 هـ - 1158 م ) امد صلاح الدين الايوبي بمائة و ثمانين اسطولا لمقاتلة النصارى بفلسطين وقال يالنص:
   ( وهذا دليل على اختصاص ملوك المغرب بالاساطيل الجهادية ، و عدم عناية الدول بمصر و الشام لهذا العهد بها )) .
           ثانيا : ينص البند العاشر من المعاهدة الامريكية المغربية (1) الذي و قعها السلطان سيدي محمد بن عبد الله و المولى عبد الرحمان بعد نصف قرن حرفيا على ما يلي :
((انه متى وقع قتال  من احد الجانبين مع بعض اجناس النصارى وكان القتال قريبا في بعض مدن الجانبين فاننا نعين بعضنا على ذلك الجنس حتى يغلب او يذهب )).
           ثالثا ـ ذكر صاحب كتاب ويجسجربير المطبوع سنة 1947 :
(( انه تاسست يمدينة فاس على عهد عبد الحفيظ لجنة خاصة اشرفت على صنع الذخيرة و السلاح(2) ))
          رابعا ـ وذكرت عدة مصادر اخرى (( انه كانت توجد في كل جهة دفاتر تحتوي على لوائح  جنود القبائل ، وكان فيه في كل قبيلة بجانب السجل الجبائي سجل خاص بالخدمة العسكرية يحرر في نسختين )).
     و الحقيقة التي نلمسها من مجموع هذه الصور الاربعة واضحة و هي تكتفي كتعريف عام لمركز الجيش وكفاءته و قدرته و دوره في مغرب متطور لم بكتف بالبقاء على عناصر مجتمعة و تحيلاتهم ناسين ان الذين كتبوا  عن جيش المرابطين قد عرفوه بانه (( جيش نظامي جديد درب على الحياة العسكرية ، و انقطع لها )) .
      و تحدثوا عن جيش الموحدين فاوضحوا بانه اتسم بطابع جديد ضاعف قوته و كتل صفوفه ، و اضاف و حداته تدريب ثلاثة الاف من الطلبة بالاظافة الى العلوم التقليدية كالتدريب المستمر على ركوب الخيل و السباحة و الرماية و التجذيف في البحيرة المؤسسة لهذه الغاية .

السلاح المغربي :
  و يقول العلامة ابن زيدان في كتابه ( العز و الصولة  في معالم نظام الدولة بالحرف :
        ( كان من جملة ما توجهت اليه عناية ملوكنا العلويين انشاء مصانع  بمختلف الايائة المغربية لانتاج البارود لتموين الجيش ، و امداده بما يحتاج منه للدفاع عن البلاد و توطيد الامن باطرافها ، و قد كانت العناية بهذا الانتاج بالغة الى اقصى حدها الى درجة ان كل مدينة من المدن كانت تتوفر على معامل ومصانع تخرج مقادير كبيرة من البارود و لا تزال اماكنها في هذه المدن قائمة تعرف بدار البارود ، ففي فاس ومكناس و الرباط و طنجة ورودانة وغيرها بنايات بقيت الى الان تحمل هذا الاسم و تذكر بعظمة منشئها الغطاريف كما كان بمراكش الحمراء معمل هائل لا تزال اطلاله ماثلة للعيان بساحة اجدال ، و يعتبر هذا المعمل من اشهر المعامل قدما و اكثرها انتاجا و صنعا ، و يبلغ الحاذقون بصنع هذه المادة اللازمة لكل امة تريد الدفاع عن كيانها انهم كانوا يتقنون في درجات صنعه و استعماله .
    و يظهر ان ملوكنا ـ يقول العلامة ابن زيدان ـ كانوا يقصدون بانشاء هذه المصانع المختلفة جعل المملكة في صف الامم المتحضرة التي يبدو مظهر رقيها من خلال وفرة مصانعها و عنوان تقدمها ، باكتفائها عن سواها و بما تصنعه ايدي ابنائها ...
     ولا يعني هذا ان المغرب كان يصنع البارود وحده ، ولكن كانت الى جانب دار البارود مصنع السلاح ( دور المكينة ) وكل الوثائق الموجودة ، وحسب اطوار التاريخ المغربي فاننا نجد ان المغرب كان يستخدم :
- السيوف
- و الحراب
- و البنادق
- و المسدسات
 - و الآلات المضادة للمدافع
- و الألغام.
اما المدافع فقد عرفها المغرب لاول مرة على عهد المرينيين (3) و قد عرفنا اخر مدرسة للصناعات الحديثة الدقيقة اقيمت بالمغرب على احدث طراز على عهد السلطان سيدي محمد ين عيد الله الذي بعث بمعلمي البمب ( القنابل) الى تطاوين فكان احدهم يفرغ البمبة من قنطار .
     كما بعث معلم الرمي الى رباط الفتح فكان بعلم بها الطبجية من اهل سلا و الرباط ، و تخرج على يديه نجباء ، ومن تم توارث اهل العد وتين هذه الصناعة مدة ثم رد اصحاب المدافع و المعاريس الى فاس فأقاموا بها الى ان توفوا ...
    و هذا التطور جاء نتيجة لمراحل قطعها المغرب في عصور و أحقاب ومن هذه الصور يحدثنا التاريخ بانه كان (( للسعديين  ولوع زائد بتطور الاسلحة حتى قيل انهم كانوا يتوفرون على مدفع يسمى ( الميمونة ) كان يبث الرعب في النفوس (4)...))
    ومن خلال بعض النصوص التي توقفت عليها يترجح  عندي ان المغرب قد يكون هو اول دولة فكرت في إقامة القواعد العسكرية الإستراتيجية ، و ذلك بالفعل ما نستخلصه من قصة بناء مدينة الصويرة .
      ثم ان هذه المدينة باعتبار اخر نجد ان المولى بن عبد الله اختطها و اثقن و ضعها و ثائق في بنائها ، و شحن الجزيرتين بالمدافع ، و شيد برجا على  صخرة داخل البحر ، و شحنه كذلك فصار القاصد للمرسى لا يدخلها الا تحت رمي المدافع من البرج و الجزيرة معا و هذه الحقيقة صورة من عدد من الصور التي لا زالت قائمة الذات الى يومنا هذا تتحدث عن عظمة هذا الجيش و عبقرية مسيرته و أهدافهم الواضحة .
                                                 -*-
      و كنتيجة حتمية للتطور فاننا نجد ان التراجع الذي اصاب المغرب في بعض الأحيان كان طبيعيا  طبقا لسنة التطور و الارتقاء ان يصيب الجيش المغربي هو ايضا لنفس الاعتبارات السالفة ، و لذلك تجد ان معركتين خسرهما المغرب في ايسلي سنة 1845 م مع فرنسا في الجزائر . ومع اسبانيا في تطوان سنة 1860 م قد هزت الفكر المغربي فاعاد النظر في تنظيم و احداث جيشه و معداته و تفكيره العسكري كذلك.
     و يعتبر الملك المولى محمد الرابع اول ملك في الحقيقة حاول الخروج بالجيش المغربي من الاسلوب المتوارث في الشكل فوضع نظاما جديدا و خط له اسلوبا متجددا هو الاسلوب  الذي تعهده جلالة الحسن الاول و رعاه .
       كذلك نجد ان مفهوم المولى محمد الرابع كان يرتكز على  ان نتائج المعارك  ليست نتيجة تفوق معنوية الجيش او ضعف معنويته ، و لكنها نتيجة ضعف الاسلوب و مدى صلاحية تطوره و هذا هو اهم مفهوم ادخل النظام العصري على الجيش ، و هذا ما جعلنا ندرك بوضوح ان عهد الحسن الاول قد تميز بعوامل هزت الجيش عامة و الجندي المغربي بصفة خاصة من الاعماق باعتبار جلالته عمل على :
1 – تكوين الاطر العسكرية خارج المغرب في العلوم و الفنون الحديثة و التخلص العسكري .
2 – اسس المدارس و المؤسسات التعليمية لهذا الغرض كالمدرسة المركزية ومعهد المدفعية بالجديدة .
و اذا كانت حركة التجديد هذه قد تقاربت في سيرها قرنا من الزمن فنها قامت بادخال تنظيمات حديثة و باساليب  جديدة فان الطابع الذي يطبع اتجاهنا اليوم في بناء وحداث القوات المسلحة الملكية هو مشاركته في البناء الاجتماعي ، باعتبار الحرب ضد التخلف هي اول الضرورات الانسانية للقضاء على شبح الحروب وويلاتها ، و هذا هو الهدف الذي يحدو جنشنا في نموه اليوم و يمثل شعار وحداته و انفاره . وذلك ما يشير اليه الاستاذ احسان حقي في كتابه ( المغرب العربي ) حيث يقول .
     (( و يقوم الجيش المغربي باخلاص بواجبه نحو البلاد ، و لن تحتاج الحكومة الى خدماته قط و لكنه يقوم بالاعمال الاجتماعية و العمرانية  ويشارك بها متطوعا ، لان الامن المنتشر في المغرب يكاد يكون مثاليا
)).  
عن دعوة الحق
http://www.almoharib.com/