www.marodefense.com
العمق الاستراتيجي العسكري للمغرب والجزائر



إن العمق الجغرافي والاستراتيجي هو تلك المسافة التي تفصل بين الجيوش المتحاربة، والتي تجعل المراكز الحيوية للدولة بعيدة عن مركز المعركة، وتبقيها ما أمكن بعيدة عن متناول النيران فرغم التطورات التي عرفتها الصناعات التسليحية، وتطور قدرات سلاح الجو والصواريخ والغواصات وحاملات الطائرات، والتي بإمكانها تجاوز العمق الاستراتيجي، بل وخلق عمق عسكري جديد أو تحويل الصراع إلى أراضي الأخر ،إلا أن مفهوم العمق العسكري لا زال بمفهومه الجغرافي الدفاعي، يحضى بأهمية كبرى على مستوى إدارة الحروب إذ شهدت السنين الأخيرة تجاوز للفكر العسكري للقائد كلاوزفيتز ، الذي كان يقول بأنه لا يمكن قصف ساحة معركة العدو من ساحة معركتنا .

فما هي يا ترى ملامح العمق العسكري الاستراتيجي للمغرب والجزائر؟.

في التخطيط العسكري يحسب العمق الجغرافي التنفيذي والعسكري بالكيلومترات، لكن مؤخرا يتم حسابه بالوقت المستغرق في تجاوزه، أي الأمر أصبح أكثر تعقيدا ، لان مفهوم الزمن المستغرق يدخل في إطاره وسائل الاتصال والمواصلات ومدى تطور التكنولوجيا العسكرية ،وحتى مدى جاهزية الجيش المعنوية للتغلغل ، ومدى شرعية الحرب أي أن الزمن والوقت هو ضمنيا مجهود حربي وتكاليف تتأثر بطبيعة الأرض وصفاتها ومدى شرعية نظام الحكم .

يصنف المغرب من الدول ذات العمق العسكري الاستراتيجي المتوسط ، حيث يصل نصف قطره لو كان له شكل متراص إلى 382كلم ، أي أن كل 0.81كلم من الحدود تدافع عن 100 كلم مربع من العمق والعكس في حالة التموين والقواعد الخلفية،بينما تصنف الجزائر ضمن الدول ذات العمق العسكري والاستراتيجي الكبير والتي يصل نصف قطرها إلى 871كلم أي أن أفضل شكل للدولة هو الشكل المتراص كما هو الحال لدى مصر والجزائر، أما الشكل الحالي للجغرافيا المغربية فهو غير مريح لأنه شبه مستطيل أي لنا حدود طويلة مع الشرق يصعب علينا الدفاع عنها بالكامل لأنها تصل إلى حوالي 1600كلم مع حساب الصحراء ،لكن تبقى هذه الأرقام والحسابات غير دقيقة لعدة اعتبارات ولعدة متغيرات إستراتيجية وتكتيكية طالت ولازالت تطول المساحات التنفيذية للعمق الجغرافي للمغرب، ولعدم وجود حدود نهائية ومستقرة للأمة المغربية ،ولاختفاء مجالنا الحيوي ،باعتبار أننا لم نحصل بعد على سبتة ومليلية وباعتبار كذلك أن المغرب لم يصادق بعد على اتفاقية الحدود لسنة 1972 مع الجزائر مما يعني أن هناك نوايا وأحداث قادمة ،كما أننا فقدنا في الصحراء مؤخرا مناطق مهمة للغاية على المستوى العسكري، باتجاه تفاريتي باستغلال البوليساريو لخطة ورطة الدجاجة، للحصول على مكاسب ترابية من المغرب ومجرد وجود البوليساريو بتسليحها الحالي في مناطق متاخمة للمدن يعتبر خطرا جسيما على الأمن القومي المغربي ويجعل كل الخطط والسياسات الدفاعية تشوبها النقص خصوصا بعدما فتح المغرب على نفسه جبهات نحن في غنى عنها بعداوته لإيران وحزب الله و الحوثيين وهي كلها جهات لها خبرات عريقة في حرب العصابات والمدن والقصف الصاروخي ولها قبول كبير لدى الشارع العربي ،أي من المتوقع أن تقدم هذه الجهات العون للبوليساريو ونستند في ذلك على الورقة الأخيرة لحزب الله والتي قال فيها كل ما هو مقاومة فهو منا ونحن منه ولعدة دلائل أخرى ...،و إذا ما قدموا الغوث وسيقدمونه، فسيكون المغرب في موقف حرج للغاية وهو الموقف الوحيد الذي لن تنفعنا فيه لا الولايات المتحدة ولا السعودية لأنها نفسها تحتاج للمساعدة في حروبها ضد الشيعة من جهة ومن جهة أخرى كل نقط الضعف العسكرية عند المغرب هي نقط قوة عند الحركات الشيعية بدأ من حرب المدن إلى القصف الصاروخي القصير المدى والحرب النفسية ،بالإضافة إلى تكون فرق مسلحة تابعة للقاعدة والطوارق متاخمة لحدود المغرب وهناك ملامح على مطالب سياسية وترابية لهذه الحركات ستكون ناضجة بعد سنوات مما سيجعل المعادلات كلها موضع تساؤل ،بل و ستطرح أسئلة محرجة على مستوى الشرعيات ،لكن ورغم الأخطاء الكبرى في السياسة الدفاعية للمغرب إلا أننا نسجل وبكل ثقة أن المغرب تميز منذ القدم بسطح جغرافي قاسي أي أن للمغرب قواعد خلفية طبيعية تتمثل في جبال الأطلس والريف ومناطق ايت با عمران يصعب على أية قوة اكتساحها بدون خسائر فادحة قد تصل حد الهزيمة ورغم أننا نلحظ ظهور مصطلحات غريبة مثل الجمهورية الريفية والحكم الذاتي في الريف وصحراء تمزغا ورغم أننا بدأنا نشم رائحة حركة الأنصار التي كان قد أسسها الجنرال رفييرا سنة 1908 ورغم سيطرة البورجوازية الفاسية على المغرب وتدميرها للبنيات المنافسة رغم علمها أنها غير قادرة على خوض الحرب لوحدها بدون تعبئة شاملة لكل طاقة المغرب ورغم الفساد والتعقن وهذا الحجم الرهيب من اللامبالاة عند بعض الأجهزة  الاسخباراتية والعسكرية فيما يتعلق بالمؤامرات التي تحاك ضد معنويات الجيش المغربي عبر التمادي في  اغلاق ملف حقوق التامين المتعلقة بأرامل الشهداء لأكثر من عشريين سنة ، إلا أن الجبهة الداخلية للمغرب لازالت قوية وملتحمة حول القيادة العليا ورئاسة أركان الحرب العامة وكل الأصوات المنادية للتقسيم هي مجرد فرقعات إعلامية تم تضخيهما مخبريا ولا امتداد لها على المستوى الشعبي وهنا يمكن القول أن التقارير الأخيرة التي تتحدث عن سهولة اكتساح الجزائر للمغرب خصوصا تقرير سييا هو غير دقيق لأنه يعتمد في المقارنة على تعداد السلاح و الجنود والمعنويات ومعاملة المصالح الاجتماعية في البلدين لأرامل الجنود وتناسى البعد الجغرافي باعتباره عامل قوة للمغرب لا يستهان به .

أما بالنسبة للجزائر فمعروف أن لها شكل مثالي للدولة المحاربة أي الشكل المتراص يمكن من حماية المناطق الحيوية وإبقائها بعيدة عن مسار المعارك كما أن عمقها الكبير ومساحها الشاسعة التي تصل إلى حوالي 2381741كلم مربع يفرض على من يحاربها خوض جولات عديدة من المعارك قبل الوصول للعمق الذي تحميه القوات الجزائرية وفق خطة الجدار العظيم و هي الخطة التي تم تطبيقها من طرف الروس في القرن الثالث عشر ضد المغول والتتار بالانسحاب إلى إقليم نوفوجورد وطبقت أمام الهجوم النابوليوني سنة 1812 وأمام الهجوم النازي فيما بعد والجزائر بدورها حاولت تطبيق ذات الخطة في حرب الرمال ضد المغرب سنة 1963 إلا أن المرحوم مولاي الحسن فطن للخطة ولم يتوغل في الأراضي العمق وبالتالي سجل فوزا و فوت عليهم فرصة الرد وهي من العقد الرئيسية الكبرى التي يعاني منها الجيش الجزائري لحد الآن، طبعا ومن خلال تتبع برامج التسليح لدى الجيران يظهر جليا أن الخطة المتبعة هي تشتيت التركيز العسكري للمغرب على عدة جبهات هجومية ودفاعية لتنهار الجبهة الشرقية لكن بالنسبة للمغرب الجبهة الشرقية مجرد ساحة أمامية وعمق تنفيذي وليس عسكري أو استراتيجي قليلة التنمية ومتأخرة اقتصاديا أي من سيواجه المغرب سيصادف معارك شرسة بشكل تصاعدي كلما توغل إلى الداخل والتعويل على تشتيت التركيز المغربي خطة فاعلة نظريا فقط أما عمليا فهي تفتقد للمصداقية  . بالاستناد إلى هذه المعطيات البسيطة يمكن القول بالخلاصات الإستراتيجية التالية:

+ أن مطلب استرجاع الصحراء إلى السيادة المغربية بشكل نهائي، بانعزال عن المطالب الترابية الأخرى للمغرب سواء المعلنة أو الصامتة هو أمر مستحيل، لأن الوحدة الترابية كل لا يتجزأ ،ولا يمكن إخضاعه للتكتيكات، لأننا نتعامل مع دول لها إمكانيات وليس مع أفراد أو عائلات أي العراقيل ستظل تأتي من شتى الاتجاهات خصوصا وأن المغرب لا يشتغل بكامل طاقته بل أغلب الطاقات مغيبة وما يوجد في الساحة هو في غالبه خطاب عاطفي استرزاقي شعبوي بعيد عن الواقعية المتطلبة في صراعات من هذا الحجم تمارسه جمعيات وأحزاب لا عمق جماهيري لها ولا تكوين إستراتيجي لها يمكنها من تقديم حلول عملية بل الكل يردد منذ أكثر ثلاثين سنة عبارات من قبيل الصحراء مغربية والمغرب في صحرائه والصحراء في مغربها في حين لسنا في حاجة لمن يغرد الشعارات الانتهازية والتملقية بل نحن في حاجة لطاقات تقدم حلولا وإجابات عملية بدون انتظار مقابل لأنه الوطن الأكبر من أي حسابات.

+ أن ظهور الجبهة المغربية لتحرير الجزائر المغربية وتصريحات بعض أعضاء حزب الاستقلال قبل عدة سنوات ومشكلة ليلا وخط الشهيد، لم يكن أمرا عابرا بل كان بداية لمرحلة جديدة انتقلت فيها الجزائر وإسبانيا من مرحلة الدفاع عن بعد إلى مرحلة الهجوم والبدء في سباق للتسلح والاستعداد للحرب والهاجس هو الخوف من تجدد مطالب المغرب الترابية بالأراضي التي حصلت عليها الجزائر بعد اتفاقية 1972و سبتة ومليلية على الأقل مما جعل أي حل نهائي في الصحراء يشكل خطرا وجوديا على الجيران حسب نظرتهم الإستراتيجية والبعيدة المدى مما يعطينا الحق في القول أن الدولة الجزائرية والإسبانية هي دول عدائية للمغرب وكل ما يثبت العكس يدخل في إطار السياسي والتكتيكي.

+ أن تحقيق المغرب لوحدته الترابية رهين بالحرب وبنتيجتها مع الجزائر سواء مباشرة أو عبر الجبهة أي أن الصدام العسكري بين الجيران هو أمر حتمي وضروري لأن الصراع على الصحراء أكبر من الصحراء وثرواتها وأكبر من الصراع على الريادة، فالأمر أكثر تعقيدا مما سيجعل المحاولات الحالية والتي ستأتي في السنوات القادمة كلها تبنى بشكل دائري يرجع دائما إلى نقطة الصفر خصوصا وان التيار الذي يتبنى مقولة استمرار النزاع أحسن من حله، لازال قويا .لكن الحرب كخيار يمكن أن يلين مواقف الجيران لا يمكن خوضها الآن، لأن لا المغرب ولا الجزائر في نظري مؤهلين لها، لأن الجميع ينتهج سياسة التدمير الذاتي للعمق في الجيش والجامعات والأجهزة الأمنية والأحزاب والقضاء...مما يجعل خوض حرب مصيرية في ظل ثقافة الفساد مخاطرة كبيرة للجميع خصوصا وأن البعض لا زال يفكر بمنطق القبيلة والفئة أي لم ينضج بعد فكر الدولة لدى الجميع .والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا بصراحة هو لماذا جزء من الصحراويين يرفضون الاندماج داخل المغرب وإذا بسطنا الأمور وقلنا أن الجزائر تغرر بهم فهل قادة الجزائر أغبياء لدرجة تضييع كل هذا الجهد وبهذه الشراسة فقط من أجل لا شيء، أم أن الأمور أكثر جدية؟ ونفس السؤال يمكن طرحه إذا افترضنا الحل الديمقراطي في سبتة ومليلية السليبتين

+أننا ندعو من هذا المنبر المجلس الأعلى للأمن القومي المغربي،مواكبة المفاهيم الجديدة للعمق العسكري والإهتمام ما أمكن بمسألة المعنويات عبر إنشاء الهيئة العسكرية للتوجيه المعنوي لأنه لا معنى لمجلس للأمن القومي بدون روح وبدون عقيدة عسكرية كما انه لامعنى لكل هذا وذاك بدون فتح تحقيق على أعلى مستوى لتحديد من المسئول عن اختفاء حقوق التامين التي من المفروض إن تستفيد منها أرامل الشهداء قبل أزيد من عشرين سنة ولم يحصلوا عليها لحد الان  فلا  امن قومي فعال ولا معنويات بدون غلق هذا الملف لان الأمن القومي والعمق العسكري   يتواجد أولا وأخيرا في قلوب الجنود،والحمد لله رب العالمين.www.marodefense.com





. مهتم بشؤون الأمن القومي
منشور باسبوعية ما وراء الحدث عدد 41/في 16شتبنر 2011